أخر الأخبار

الأربعاء، 2 يونيو 2010

أردوغان




تظاهر العالم بأثره علي ما رأه من قرصنة اسرائيلية انتهكت كل الإتفاقيات الحقوقية والدولية والإنسانية ..اسرائيل دولة لا تحترم حق الحياة-علي حد تعبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان –دولة تخترق كل القوانين والأعراف حتي الإنسانية..تزهق أرواحا بكل بساطة ..لتحي بين العالم بكل فظاعة وشراسة .
بالأمس ..يوم وقوع حادث القرصنة الإسرائيلية علي قافلة الحرية ،ووقت صلاة المغرب عقب عودتي من عملي اليومي لفت انتباهي تكدس قوات الأمن المركزي بميدان رمسيس يمنعون أحدا من الوقوف ..إن كنت تريد أن تمشي فلتمشي ،وإن كنت تريد أن تشتري شيئ فعليك بذلك ..ولكن لا تقف ،هكذا قال لي رجل الأمن .لا يردون حتي أن تري صرخات الآخرين أو أن تعرف سبب هذا التكدس الغريب لرجال الأمن الذي يستفز أي شخص عادي ..فما بالك ببني آدم قُدر له أن يعمل بصاحبة الجلالة ،حيث الشغف والنهم الدائم للمعرفة.
أري جموع تتوجه نحو مسجد الفتح ..في البداية كان الأمن يمنع دخول هذه الجموع داخل المسجد لكنهم بعد ذلك وافقوا .

صلي المسلمون المغرب ثم صلوا صلاة الغائب علي روح شهداء قافلة الحرية –وأنا بالخارج ممنوع من الوقوف للمشاهدة ،وممنوع من الدخول للمشاركة- .

بدأت أول تكبيره ثم تنديدات وهتافات وأنا مازلت أبحث عن مخرج ..ألتف حول جنود الأمن ذي الزي الميري والمدني ،وهم يلتفون حولي وحول غيري ممن يريدون أبسط حقوقهم كالمشاهدة والمعرفة .

هتافات وتكبيرات وصرخات ومؤازرة للفلسطينيين ،وتهديد ووعيد للإسرائيليين بأن جيش محمد سوف يعود ،وتذكيراً لهم بأيام خيبر ..وكانت المفاجأة –ربما لي-أن بدأ المتظاهرون في إطلاق صيحات الإعجاب والهتافات التي تؤازر الزعيم التركي رجب طيب أردوغان .."أردوغان ..أردوغان "وتكررت أكثر من مرة .

تساءلت لماذا؟..لماذا لم تهتف تلك الجموع لأي قائد عربي ؟..لماذا هتفوا لأردوغان دون غيره ؟..هل لأنهم لم يجدوا قائدا عربيا؟!..وهو ما لا أعتقد ه ،فلدينا- والخير كثير والحمد لله –الكثير من القادة العرب ،ولكن ربما تنافسهم علي كرسي الحكم والسلطة ألهاهم عن تنافسهم لخلق دوراً قيادياً عربياً ليلتف حولهم شعوبهم ..إنهم قادة اكتفوا بالتنديد والشجب ،وهو ما رفضه المتظاهرون علي لافتاتهم التي أيضا لا تملك سوي أن تندد وتشجب وتدين وتستنكر (وشوية أفعال بتبدأ بتاء المضارعة ).

أعتقد أن أفعال وقرارات أردوغان الأخيرة في الشأن العربي والإسلامي كانت هي كلمة السر التي جعلته زعيماً شعبياً تخطي حدود دولته وقارته ..قراره فور أزمة وزير الخارجية التي اضطرت اسرائيل بكل عجرفتها للإعتذار ..تصريحاته الصارمة تجاه الإنتهاكات الإسرائيلية اليومية ..تقربه من الشارع العربي والمصري بشتي الطرق حتي ولو كان عن طريق مسلسل مثل "نور " الذي استوطن البيوت العربية والمصرية بسلاسة مما جعل تركيا في كل بيت مصري وعربي ،وقراراته الأخيرة بعد حادث القرصنة ،حيث سحب السفير التركي من اسرائيل احتاجا علي الجرم الواقع في حق الأتراك وبعض رجال العالم الذين راحوا ضحية هذه القرصنة ،وإلغاءه ثلاث اتفاقيات عسكرية كانت مبرمة بين تركيا واسرائيل ،وطلبه عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي ..كما أن أردوغان قطع زيارته الرسمية لأمريكا اللاتينية للعودة إلي تركيا لمتابعة ما يحدث وما لا بد الوقوف عليه لردع اسرائيل .

هكذا تحرك الرجل ،فتحركت مشاعر الشعوب العربية نحوه ..تحرك الرجل معاديا للكيان الصهيوني ..قال الرجل في خطابه أمام البرلمان التركي متوجها إلي اسرائيل بكل صرامة (إذا أرتم تركيا "عدوة"فإنها ستكون قاسية )..هكذا يهدد الرجل ويتوعد ..يتوعد ويهدد دون أدني انتقاد،أو اتهاما بمعاداة السامية ،وذلك لا لشئ إلا لأنه هوالرجل الذي يتحرك في الوقت الصحيح والفرصة السانحة ..بعد أن انكشف النقاب عن الوجه العبوث لهذا الكيان الصهيوني .
تحرك الرجل وتحركت اسبانيا واليونان ،وأمين الأمم المتحدة ،وحتي الولايات المتحدة الصديق الأول لإسرائيل ،فلا أحد يستطيع أن ينكر أو يجحد ما قامت به اسرائيل من انتهاكات لجميع الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية ،وكان حتما عليهم أن يدينوا ويستنكروا ،لكنه كان لزاما علينا أن نتخذ قرارات أكبر من ذلك ،لأننا شبعنا من هذا النوع من التصريحات .

الأنظمة العربية أثبتت أنها أنظمة غبية ،فربما وصفها بالجبانة يكون ترأفا بحالها ،فللجبناء مبررهم ،ولكن ليس هناك مبرراً للأغبياء ،لا عيب عليهم ،ولا لوم لنا عليهم ،ولا نستطيع سوي الدعاء لهم بالشفاء .

أنظمة أثبتت أنها لا تسعي حتي لنيل تأيد الجماهير من خلفهم حتي ولو بالتصريحات العنترية والخطب الرنانة التي ربما تخدع الجماهير ،وتغفر لهم زلاتهم وخطاياهم التي قد تصل إلي خسارة ألاف الجنود في معركة كانت نتيجتها أكبر "وكسة "عربية مصرية في التاريخ ،ولكن خرجت الجماهير تؤيد وتؤازر وتصفح .

كانت لدي الأنظمة العربية الفرصة ،وكانت لديهم المبررات ،وكان لديهم التأيد العالمي ،لكنهم رفضوا الفرصة واعرضوا بوجوههم ..رفضوا تأيدا شعبيا ،يجعلهم أكثر احتراما أمام أعين شعوبهم ..فلهذا امتدت شعبية أردوغان ..ولهذا أيضا اختفت الزعامة العربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق