أخر الأخبار

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

ماذا لو لم يكن بيننا ديكتاتور؟


ماذا لو لم يكن بيننا ديكتاتور؟



فكرت يومًا كيف ستعيش بدون "الديكتاتورية"، كيف سيكون حالك في العمل وبعد العودة للمنزل، هل تأملت حالتك المزاجية؟، لكن قبل أن تجيب " هل تعرف معنى ديكتاتور؟".
"ديكتاتوس" كلمة لاتينية اشتقت منها "ديكتاتور" والتى تعنى يُملي أو يفرض أو يأمر، ومن معناها يتضح مدى تشعبها في كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسة، فهى تضع معايير للأخلاق وفق توجهات الحزب أو الجماعة أو الفرد الحاكم.
حريتك في مجتمع كالذى نعيش فيه لن تجعلك سعيدًا، ولن تتنفس عبير الديمقراطية والحرية -كما تتخيل- ولكن ستجعلك تبحث عن ديكتاتور –بحكم التطبع- يملى عليك ماذا تأكل وتشرب؟ وعن ديكتاتور يحدد لك كيف تلبس؟ ومتى تنام وتستيقظ؟ وكيف تعبد الله؟ وكيف تدخل الحمام؟!
كثيرون لا يستطيعون العيش خارج نطاق الديكتاتورية، فهى نظامهم المفضل، نظام حياة قبل أن يكون نظامًا سياسيًا، نظام لا يرهق تفكيرهم كثيرًا، الطاعة أسلوبه الأوحد للوصول لما يصبو إليه.
ونحن مجتمع تربى على نظم ديكتاتورية شاملة تبدأ من السياسة نزولًا للنخاسة، تبحث فيه السياسة عن حاكمها الأوحد، كما يبحثن الداعرات عن مفتول العضلات "الفتوة" حامى الحمى بمنطق "ضل رجل ولا ضل حيطة".
ودون ديكتاتورية لن تجد سوى المعاناة فيما سترتديه من ملابس "البس اللى يعجب الناس" أو بمعنى الديكتاتورية الجامعة، ودون ديكتاتورية التنسيق الجامعى، كيف ستحدد مستقبلك؟، اعتقد وقتها سنصبح جميعًا ضباطًا، وحينها سأجلس وحدى على كرسى فى نهاية المقهى مرتديًا جلبابًا وطاقية معوجة وأتدلى برأسى كـ"توفيق الدقن"، مرددًا: "البلد كلها بقت ضباط..أماااال مين اللى هينضرب" حتى بدون الديكتاتورية المذهبية كيف ستعرف طريقك إلى الله؟، لابد من شيخ أو إمام أو آية أو قس يقول لك افعل ولا تفعل .."حرام وحلال".
اعتقد أن الحياة بدون ديكتاتورية ستكون مرهقة جدًا، فحين كنت طفلاً وجدت نظامًا منزليًا ديكتاتوريًا، وحين ذهبت للمدرسة وجدت معلمًا واحدًا يُدرس كل المواد الدراسية "المدرس الشامل يفهم في كل شىء" لا يصح إلا ما يراه صحيحًا، والمخطئ مذنبًا ينال الجزاء عقابًا، الناظر هو الحاكم بأمره، يراه المدرسون فيهرولون وينافقون ويبتسمون ابتسامة صفراء أصبحت طابعًا أصيلاً في الشخصية المنافقة، خذ على ذلك الجامعة نهاية بالعمل.
"الثورات تسقط ديكتاتوريات" هكذا قرأنا، إلا أنها لم تقضِ عليها بداخلنا، ستجد ديكتاتورًا في المنزل "الزوج أو الزوجة أو الابن الأكبر"، ستجد في العمل مديرًا ديكتاتورًا يأمر فيطاع دون تفكير، وفي الفصل الدراسى رئيسًا يكتب أسماء زملائه المشاغبين، وابن جيلك الفتوة، وكبير الحارة، وكبير العائلة، والجدة الشجرة "فاطمة تعلبة"، الحزب الأوحد، الرئيس الذى يسير كل المسئولين على خطاه وبفضل توجيهات سيادته - الإعلام الأوحد والشيخ الأوحد، والفنان الأوحد.
"اللى ملهوش كبير يشتريله كبير"، مثل شعبي يحثك دائمًا على البحث عن الكبير أو الديكتاتور، والذى لن يكون أبدًا انت، الكبير الذى لن تستطيع مراجعته أو معاتبته أو تكسير كلامه، الكبير الذى لا رادّ لكلماته، لتتأصل الديكتاتورية في الذات البشرية العربية والمصرية، فتصبح طابعًا وصفةً، موروثًا وعادة وعملاً، "ضابطًا مهندسًا رئيسًا وحتى مرؤوسًا، في نظام هرمي متسلسل بقيود الطاعة العمياء.
نهاية.. لو لم يكن بيننا ديكتاتور، سوف نبحث عنه فيما بيننا، سنصنعه "إعلاميًا"، سنجعله نموذجًا فريدًا، حاكمًا عادلاً صارمًا حازمًا، فقيهًا عالمًا، زاهدًا متصوفًا، ومقاتلاً شرسًا شجاعًا، ليصبح قائدًا وزعيمًا مؤمنًا، يحكم دون حاكم، ويأمر فيطاع.
لا تجزع عزيزى القارئ..أنا أيضًا استعمل ديكتاتوريتي رقيبًا على ما تخطه يداى من كلمات، أحذف وأغير وأبدل، تحاول بعضها المرور، فأضبطها، أمنحها حياة وقد أحكم عليها بالإعدام، حينها أصبح ديكتاتورًا يُطاع ولا يُطع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق